محمد علوش: أزمة العمال الفلسطينيين: بين البطالة، الحصار، وتصاعد الحرب

يعيش عمال فلسطين اليوم تحت وطأة أزمة غير مسبوقة، حيث تتداخل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتشكل واقعاً قاسياً يعاني منه هؤلاء العمال في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية، وإن تزايد معدلات البطالة، والقيود التي يفرضها الحصار، والتصعيد المستمر في الحرب والممارسات الاستعمارية للاحتلال، قد أسهمت في تدهور أوضاع العمال الفلسطينيين، وأعاقت فرصهم في الحياة الكريمة، لكنّ ما يزيد الطين بلة هو غياب العدالة الاجتماعية، وفشل المؤسسات المعنية في توفير حماية حقيقية للعمال من تبعات هذه الأزمات المتشابكة.

ولا يمكن لأي تحليل دقيق أن يغفل تأثيرات الحصار المفروض على قطاع غزة، أو تلك القيود الاقتصادية التي تفرضها السياسات الاحتلالية على الضفة الغربية، فالحصار المستمر على غزة منذ أكثر من عشر سنوات قد حول الآلاف من العمال إلى ضحايا البطالة المقنّعة، بينما أغلقت المصانع والشركات أبوابها في مواجهة صعوبة الحصول على المواد الخام وصعوبة التصدير، أما في الضفة الغربية، فإن الحواجز العسكرية وتضييق الحركة يحد من قدرة العمال على الوصول إلى أماكن عملهم، ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.

لكن الأمر لا يتوقف هنا، فتصاعد الحرب وتكرار الاعتداءات العسكرية على القطاع والضفة يدمر البنية التحتية ويقتل آمال الشباب في بناء حياة مستقرة، كما أن استمرار هذه الحروب يقضي على الفرص الاقتصادية ويزيد من معدلات الفقر التي تطال شرائح واسعة من العمال.

وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية تتجاوز 25%، وهو رقم مرتفع جداً مقارنة بمعايير الدول الأخرى، وأكثر من ذلك، تشير البيانات إلى أن بطالة الشباب تتجاوز 50%، في ظل غياب فرص العمل، يجد العديد من الشباب أنفسهم في دوامة من الإحباط والفقر، ما يزيد من القلق الاجتماعي في مجتمع يعاني أساساً من التوترات السياسية والعسكرية.

وإن غياب العدالة الاجتماعية في فلسطين أصبح قضية مركزية في هذا السياق، فالعمال الفلسطينيون يعانون من انخفاض الأجور مقارنة مع تكلفة الحياة، فضلاً عن غياب الضمانات الاجتماعية الحقيقية التي تحميهم في أوقات الأزمات، كما أن العديد من العمال لا يتمتعون بحقوقهم الأساسية مثل التأمين الصحي، أو التأمين ضد البطالة، وهو ما يجعلهم في مواجهة قاسية مع الحياة اليومية.

تظل الممارسات القمعية للاحتلال الإسرائيلي جزءاً أساسياً من هذه الأزمة، حيث يعوق الاحتلال حركة العمال ويمنعهم من الوصول إلى أسواق العمل، كما أن سياسة الاستيطان المستمرة وتدمير الأراضي الزراعية تؤدي إلى فقدان مئات الآلاف من العمال مصدر رزقهم الأساسي، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على حياتهم وحياة أسرهم.

وفي هذا الوقت العصيب، يبرز دور النقابات الفلسطينية كأداة رئيسية للدفاع عن حقوق العمال، وإن النقابات لا تقتصر على مجرد المطالبة بتحسين الأجور أو شروط العمل، بل يجب أن تكون قوة ضاغطة على السلطات المحلية والدولية من أجل توفير حلول للأزمة الاقتصادية المستفحلة، وعلى رأسها توفير فرص العمل وتقديم الدعم العاجل للعمال المتضررين. كما يجب على النقابات أن تسعى لخلق تحالفات مع المنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية لضمان حقوق العمال الفلسطينيين في المحافل العالمية.

لا يمكن للعدالة أن تتحقق في ظل هذا الواقع القاسي الذي يعيشه العمال الفلسطينيون، لكنهم هم في ذات الوقت القادرون على مقاومة هذه الظروف وفرض مطالبهم في سبيل تحسين أوضاعهم، وإن وحدة الصف النقابي والتضامن الاجتماعي بين كافة فئات الشعب الفلسطيني هي السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية في فلسطين، وإننا بحاجة إلى وقفة جدية من جميع المعنيين، خاصة النقابات، لرفع الصوت عالياً ضد سياسات الاحتلال وتحديات البطالة والحصار، والعمل على تحقيق حقوق العمال في كافة المجالات، ودعم نضالهم المستمر من أجل مستقبل أفضل.