كلمة الرفيق محمد علوش  في مؤتمر (زانکو) -26 تموز في مدينة ساغاميهارا اليابانية

أمين سر المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

السكرتير العام لاتحاد نضال العمال الفلسطيني

أوقفوا مجزرة غزة: من أجل السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية

أيها الأصدقاء، يا أحرار العالم، يا من تضيئون شموع الضمير في زمن تتكاثف فيه العتمة، أيها الرفيقات والرفاق في منظمة "زينكو" اليابانية، وفي كل مكان من هذا العالم حيث ما زال للحق أنصار، وللقيم الإنسانية جذور، نأتيكم اليوم من قلب المأساة.. من غزة الجريحة، من جسد الأمة الفلسطينية النازف منذ أكثر منذ عامين تحت نير حرب إبادة همجية، تُنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي، تلك القوة الغاشمة القائمة على القتل والعدوان والتمييز العنصري، والمدعومة بلا حدود من الإمبريالية الأمريكية التي فقدت أي ادعاء أخلاقي، وتجرّدت تماماً من أبسط معايير العدالة.

إنّ ما يحدث اليوم في قطاع غزة، وفي عموم فلسطين المحتلة، ليس صراعاً مسلحاً بين طرفين متكافئين، بل هو فصل جديد في ملحمة استعمارية متواصلة منذ أكثر من سبعة عقود.. إنها نكبة متجددة تُعيد إنتاج الظلم التاريخي الذي تعرّض له شعبنا الفلسطيني منذ عام 1948، حين جرى اقتلاع أكثر من 800 ألف فلسطيني من أرضهم، وتدمير أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية، لإقامة كيان عنصري إحلالي بالقوة، وعلى حساب حق شعبنا في الوجود والسيادة والكرامة.

اليوم، وبعد 77 عاماً على النكبة الكبرى، لا تزال آلة القتل الإسرائيلية تستكمل مشروعها التوسعي الدموي، مدفوعةً بنفس الغطرسة العنصرية، محميةً بشبكة من المصالح الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لا تتردد في استخدام "الفيتو" ضد أي قرار أممي يُدين الإبادة أو يطالب بوقف العدوان.

أوقفوا المجزرة.. هذه ليست كلمات شعرية أو عاطفية، بل نداء إنساني عاجل لحماية ما تبقى من معنى للضمير العالمي، أكثر من 60 ألف شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء، عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، وملايين من المشردين والمحرومين من أبسط مقومات الحياة، يواجهون سياسة "الأرض المحروقة" التي تطال كل شيء: البشر والحجر، المستشفيات والمدارس، المساجد والكنائس، الموانئ والمخابز، حتى الممرات الآمنة تُقصف، ومراكز الإيواء تتحول إلى مقابر جماعية.

ما يحدث في غزة ليس خطأ في التقدير، ولا رداً على "إرهاب مزعوم"، بل مخطط مدروس للإبادة والتطهير العرقي، هدفه شطب غزة من الجغرافيا ومن الذاكرة، وتحطيم إرادة الشعب الفلسطيني، لكن ما لا تفهمه إسرائيل ومن يدعمها، هو أن غزة، برغم الجراح، هي عاصمة الصمود والإرادة التي لا تنكسر، وأن شعبنا لا يُهزَم، مهما تعاظم الحصار، أو اشتدت آلة القتل.

شعبنا الفلسطيني لا يطلب المستحيل.. نحن لا نسعى إلى الهيمنة، ولا نمارس العدوان، ولا نحلم إلا بما تقرّه الأمم المتحدة والشرائع الدولية: دولة مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، عاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسراً، وهذا هو السلام الحقيقي، السلام الذي لا يبنى على الدم والخراب، بل على العدل والاعتراف المتبادل، والحرية للشعب الفلسطيني.

أيها الرفاق الأعزاء، نُحيي اليوم، ومن القلب، مواقفكم التضامنية في اليابان، ونخص بالذكر منظمة "زينكو" التي تُجسّد قِيم النضال الشعبي العالمي من أجل العدالة الاجتماعية والتحرر الإنساني، وإن وقوفكم مع فلسطين، ليس مجرد تضامن موسمي أو عاطفي، بل تجسيد لوعي عميق بأن ما يحدث في فلسطين، يعني العالم كله.

إن الفعاليات التي تنظمونها، من مظاهرات، وندوات، وجمع تبرعات، وبيانات دعم، إنما تُعيد بناء جسور الثقة بين الشعوب المناضلة في هذا العالم، ففلسطين ليست قضية جغرافية محصورة بين نهر وبحر، بل هي اختبار أخلاقي وسياسي لكل إنسان حر، أن تكون مع فلسطين، يعني أن ترفض الظلم، وتقف إلى جانب الحق، وتؤمن بأن الحرية لا تتجزأ.

لقد علّمنا التاريخ، أن الاحتلال لا يدوم، وأن الشعوب لا تموت، وأن صوت الضحية لا يُسكت إلى الأبد، وإن كنا اليوم نعيش فصولاً من الحصار والتجويع والتقتيل، فإننا على يقينٍ بأن الحرية قادمة، وأن النصر حتمي، لأن من يملك هذه الإرادة، وهذه العزيمة، وهذا الصبر، لا يمكن أن يُهزم.

أيها الأصدقاء، أيها الرفاق الأحرار: لا تكتمل صورة المجزرة من دون أن نُسلّط الضوء على الوجه الآخر من العدوان: الحصار والتجويع، والدمار الاقتصادي المنهجي، الذي يستهدف طبقتنا العاملة الفلسطينية، ويقوّض كل أمل في حياة كريمة، فالاحتلال لم يكتفِ بالقنابل والصواريخ، بل أعلن حرباً شاملة على لقمة الخبز، وعلى كرامة العامل الفلسطيني.

لقد تحوّلت فلسطين إلى ساحة تجريب للسياسات النيوليبرالية المتوحشة المدعومة بالاحتلال، وتم دفع مئات آلاف العمال إلى البطالة، والعوز، والهشاشة الاجتماعية، والواقع في قطاع غزة خير شاهد على ذلك: فمعدلات البطالة في صفوف الشباب والعمال تجاوزت 65%، وانعدام فرص العمل أصبح سيفاً مسلطاً على أعناق العائلات الكادحة، التي باتت تنتظر مساعدات إغاثية لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين يُحاصر الاقتصاد الفلسطيني وتُمنع تنميته، ويُفكّك نسيجه الإنتاجي، ويُمنع الاستيراد والتصدير، وتُدمّر البنية التحتية بالكامل.

الاحتلال يسرق مواردنا، يقيّد تحركاتنا، يتحكم في معابرنا وحدودنا، ويجعل من العامل الفلسطيني رهينة لسياسات التصريح والابتزاز، حتى باتت قضية العمل وكرامة العامل جزءاً لا يتجزأ من المعركة الوطنية الكبرى.

ونحن، في اتحاد نضال العمال الفلسطيني، نؤكد أن الدفاع عن حقوق العمال، عن أجورهم، عن أمنهم الاجتماعي، عن حقهم في التنظيم النقابي الحر، وعن توفير الحماية القانونية لهم في الداخل والشتات، هو جزء من معركة التحرر الوطني، وهو واجب أخلاقي ونضالي لا يمكن فصله عن مقاومة الاحتلال.

من هنا، نوجه نداءً إلى كل النقابات الحرة في العالم، إلى الحركات العمالية، إلى القوى التقدمية والاشتراكية، بأن تُدرج قضية العمال الفلسطينيين في صُلب أجنداتها، وأن تُمارس الضغط الحقيقي من أجل كسر القيود المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني، وفضح سياسات الاستغلال والنهب والتمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل بحق العمال.

أيها الأصدقاء، نحن لا نطلب منكم الشفقة، بل الشراكة في النضال، لا نطلب كلمات مجاملة، بل أفعالاً تترجم إلى ضغط سياسي، إلى حملات مقاطعة، إلى مساءلة للقتلة والمجرمين، وإلى جهودٍ موصولة من أجل كسر الحصار ووقف الإبادة.

نريد صوتكم عالياً في المحافل الدولية، ونريد صوتكم في الإعلام، في الجامعات، في الشوارع، ونريد أن يتحول الغضب إلى قوة سياسية ضاغطة، وأن يتحول التضامن إلى جبهة عالمية مناهضة للعدوان والإمبريالية والعنصرية.

غزة تنزف.. نعم، لكنها ستبقى شعلة النور في هذا العالم المعتم، وستخرج من بين الرماد لتكتب سطوراً جديدة في ملحمة الحرية.

فلسطين باقية، والاحتلال إلى زوال، والسلام لا يُبنى إلا على العدالة، وأنتم جزء من هذا الطريق العظيم.

المجد لفلسطين، المجد لكل الأحرار.