كلمة سمير عادل في اليوم الأول لافتتاحية مؤتمر زنكو (زانکو )-26 تموز في مدينة ساغاميهارا اليابانية

مرحبا ايها الرفيقات والصديقات والرفاق والاصدقاء

أود أن أشكركم على دعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر مرة أخرى، ونتطلع جميعاً إلى المساهمة في إنجاح أعماله.

لقد اعتدنا أن يُعقد هذا المؤتمر الذي يتمتع بمكانة خاصة وأهمية بالغة في سياق الحركة الداعية للسلام، والحرية، والمساواة، وتعزيز القيم الإنسانية، وتوطيد التضامن مع الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمتمدنة في أنحاء العالم. وفي كل مرة يُعقد فيها مؤتمر زنكو، يتزامن مع أحداث كبرى على الساحة العالمية. ومع ذلك، كان ثمة دومًا – في زاوية ما من هذا العالم – فسحة للحرية، ومساحة للأمان، وكانت الطبقة البرجوازية الحاكمة، من خلال أدواتها في الإعلام والاقتصاد والسياسة، لا تزال تقيم شكلاً من أشكال الحوار حول حقوق الإنسان والمعايير الإنسانية مثل المساواة، ومناهضة التمييز الجنسي والعرقي والقومي.

نعم، لم نكن يومًا مخدوعين أو موهومين إزاء البرجوازية، وقد كانت منابر هذا المؤتمر دائمًا تكشف وتفضح سياسات وألاعيب هذه الطبقة الطفيلية، سواء في اليابان أو بين حلفائها في الناتو والغرب. ومع ذلك، كانت البرجوازية تتقن النفاق السياسي، وكانت تتصنّع الحياء، وتضع “مكياجًا” سياسيًا لتجميل صورتها عبر اقلامهم المأجورة أمام العالم. أما اليوم، فقد سقط هذا القناع – بل تمزق قبل أن يسقط – عن وجوه ممثلي هذه الطبقة، فتحوّل العالم إلى جحيم لا يُطاق.

والمثال الصارخ على ذلك هو ما يحدث في قطاع غزة، حيث يقف العالم عاجزًا أمام الجرائم اليومية التي ترتكبها دولة فاشية ونازية مثل إسرائيل. كنا عندما نقرأ عن وحشية وبربرية الإمبراطوريات في التاريخ، نفهم ذلك ضمن سياق غياب مفاهيم ومعايير حقوق الإنسان آنذاك، أما اليوم، فإن ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية من بلطجة سياسية، عبر دعمها غير المشروط لدولة نازية مثل إسرائيل، يتجاوز ما يمكن أن يتصوره العقل الإنساني في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.

بعد أكثر من قرن من النضال من أجل ترسيخ القيم الإنسانية، نجد أنفسنا في عالم تحكمه منطق الإمبراطوريات القديمة التي تذبح الشعوب بلا تردد، ودون رادع أو محاسبة.

بعد الحرب العالمية الثانية، أنشأ المنتصرون محاكم مثل نورمبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب، وكانت إحدى التهم التي أُعدم على أساسها قادة الدولة النازية هي جرائم الهولوكوست. وإذا ما طبقنا نفس المعيار على ما يحدث اليوم في غزة، فلابد من تقديم جميع أعضاء الحكومة الإسرائيلية – من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت والحالي اسرائي كاتس، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش – إلى “محكمة نورمبرغ جديدة”.

إنهم ينظّمون معسكرات اعتقال تُشبه إلى حد بعيد معسكرات النازية، تحت مسمّى خادع هو “المدينة الإنسانية” في رفح، وأمام مرأى ومسمع العالم، دون أن يصدر أيّ ردّ رسمي من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.

نحن نعيش، بحق، عصر البربرية والوحشية، حيث يُوصم أي صوت معترض داخل عقر دار “الديمقراطية” في الغرب بأنه معادٍ للسامية.

ما يحدث في غزة الآن، وفي هذا الوقت تحديدًا، هو عارٌ على الإنسانية. يجب أن ننتفض، يجب أن نقف بحزم ضد هذه الجرائم.

إن ما يجري يطرح علامة استفهام كبيرة حول هويتنا الإنسانية. إن هذا الاستخفاف بحياة الأطفال قبل الكبار هو دليل واضح على أن من يرتكبون هذه الجرائم يريدون لنا أن نعيش خارج التاريخ الإنساني.

 

أيها الرفيقات والرفاق، الصديقات والأصدقاء..

لقد حجبت جرائم إسرائيل مأساة الحرب في أوكرانيا، وما يحدث اليوم في السودان، وكذلك سياسات التقشف التي تقودها الطبقات البرجوازية وحربها التجارية التي بالنهاية تصوب نصالها تجاه العمال والمحرومين في كل مكان.

فهم يزيدون الإنفاق العسكري لحلف الناتو، على حساب صحة وسلامة عائلاتنا وأطفالنا. وفي الوقت نفسه، يخفضون الميزانيات المخصصة للخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، كما تفعل الولايات المتحدة، بقيادة مستهتر لا يوصف بأقل من مغرور، معتوه، ودموي – يداه ملوثتان، بشكل غير مباشر، بدماء أطفال غزة من خلال دعمه للدولة الإسرائيلية النازية. ومع ذلك، يسعى هذا الشخص إلى نيل “جائزة نوبل للسلام”! فأيّ عالم هذا الذي نعيش فيه؟

ومن خلال الحرب التجارية التي يشنّها دونالد ترامب، يحاول وقف تراجع مكانة الولايات المتحدة في العالم بأساليب البلطجة السياسية، على حساب العمال والكادحين. فإمّا الموت في الحروب تحت عقيدة “السلام بالقوة”، أو الموت ببطء من خلال الإفقار المنهجي.

ما نشهده اليوم هو تراجع حاد في القيم الإنسانية، وصعود مقلق لليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم، خاصة ضد المهاجرين واللاجئين.

هناك تناغم فعلي بين اليمين واليسار البرجوازي: فاليسار يقمع الحريات ويقود حملات إفقار الجماهير لإنقاذ أرباح الرأسماليين، بينما يصعد اليمين على أنقاض هذا الفشل عبر شعارات شعبوية مخادعة.

لكن هذه ليست الصورة الكاملة التي أمامنا. فعلى الجانب الآخر، نشهد حركة جماهيرية متصاعدة على الصعيد العالمي، حركة تنتمي إلى الطبقة العاملة والإنسانية المتمدّنة، بل وتفوق في قوتها حتى الحركة المناهضة لحرب أمريكا على العراق.

إنها حركة الطبقة العاملة في إسبانيا، والبرتغال، وفرنسا، والبرازيل، والمغرب، والسويد، والنرويج، عندما ترفض تحميل الأسلحة إلى السفن المتّجهة إلى إسرائيل، أو تطالب الاتحادات العمالية حكوماتها بوقف إمدادات الطاقة عنها، أو تعلن مقاطعة البضائع الإسرائيلية.

وبالتوازي، نشهد إضرابات، وتظاهرات، واعتصامات طلابية في الجامعات الأمريكية، وموجات من الغضب الشعبي تعبّر عن مشاعر إنسانية جياشة في انحاء العالم.

علينا أن نُبقي أعيننا مفتوحة على هذه الحركة الإنسانية الصاعدة، مثلما رأينا في النمسا قبل أيام عندما تشكّلت جبهة يهودية ضد الصهيونية وجرائم إسرائيل. إنها حركة تُفشل محاولات التشويش التي تُصوّر كل انتقاد لجرائم اسرائيل على أنه معاداة للسامية، وتُجهِض كل الذرائع التي تُستخدم لقمع الأصوات التي تحتج على الجرائم الإسرائيلية.

لنكمل، من خلال هذا المؤتمر، بناء الجسر الذي بدأناه قبل عامين، ثم واصلناه في المؤتمر السابق العام الماضي، مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية وإنهاء الظلم القومي الواقع عليه، ومن أجل تأسيس دولته المستقلة.

إن انتصارنا هو انتصار للإنسانية جمعاء. فالقضية الفلسطينية لم تعد حكرا على القوميين والإسلاميين والطائفيين في منطقتنا الذين استغلوها لتحقيق اجنداتهم السياسية، هي قضية الإنسانية بامتياز، وهي قضية الطبقة العاملة والجماهير المتمدنة في كل أنحاء العالم.

إن هذا المؤتمر الذي نُعقده اليوم هو جزء أصيل من هذه الجبهة الإنسانية. وعلينا، قبل كل شيء، أن نمنح الأمل للمجتمع الإنساني:

أن من يصنع الحياة هو الطبقة العاملة،

أن من يصنع الحياة هي حركتنا المناضلة من أجل الحرية والمساواة وعالم أفضل،

أن من يصنع الحياة هي الإرادة الثورية الحاضرة في أروقة هذا المؤتمر، وفي عشرات الحركات التحررية والثورية التي نحن جزء منها.

عاش مؤتمر زنكو!

عاش التضامن الأممي!